لم أستطع منع نفسي من سماع أحد الزملاء أثناء تناول غدائي وهو يقول إنه ضرب مديره السابق، وهو موقف قد يتعرض له كل منا حين يدفعنا الغضب بعيدًا، لهذا كتبت لك هذه المقالة
الغضب شعور إنساني طبيعي يمر به الجميع من وقت لآخر، وعلى الرغم من أنه قد يكون رد فعل صحي تجاه مواقف تثير الظلم أو الإحباط، إلا أنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية تدمرك أو تعقد الأمور بينك وبين الناس، وسواء كان ذلك في حياتك الشخصية أو في بيئة العمل، فإن تعلم كيفية التحكم بالغضب أمر ضروري للحفاظ على علاقات صحية ورفاهية عامة.
لماذا إدارة الغضب مهمة؟
لأن الغضب شعور قوي يسيطر علينا ولا يتركنا من دون تأثيرات نفسية وجسدية، فعندما يسيطر الغضب، يمكن أن يؤدي إلى:
- زيادة التوتر: قد يؤدي الغضب المستمر إلى زيادة مستويات التوتر، مما يسبب مشكلات صحية مثل ارتفاع ضغط الدم، القلق، والاكتئاب.
- تدمير العلاقات: قد يؤدي الغضب غير المتحكم فيه إلى إلحاق الضرر بالعلاقات مع الأصدقاء، العائلة، والزملاء.
- انخفاض الإنتاجية: في بيئة العمل، قد يتسبب الغضب غير المحلول في تشوش الحكم، انخفاض التركيز، وقلة الإنتاجية.
- عواقب قانونية أو مهنية: قد يؤدي سوء إدارة الغضب إلى مواجهات قد تكون لها تداعيات قانونية أو مهنية كخسارة وظيفتك أو رفع دعوى عليك.
ومن هنا يمكننا أن ننطلق، فالتعرف على أهمية إدارة الغضب بفعالية هو الخطوة الأولى نحو التحكم في ردود أفعالك العاطفية والحفاظ على توازن حياتك، فما الأشياء التي تجعلنا نغضب؟
أسباب الغضب
قد ينشأ الغضب من مصادر متعددة، سواء كانت داخلية أو خارجية. فهم هذه المسببات يمكن أن يساعد في تجنب تصعيد المواقف.
1. التوتر والإرهاق: قد تؤدي الضغوط اليومية، مثل الديدلاينز أو مواعيد التسليم، المسؤوليات العائلية، والضغوط المالية، إلى تراكم الغضب.
2. التوقعات الشخصية: غالبًا ما ينشأ الإحباط من التوقعات التي لم تستطع أن تحققها، أو الإحباطات من الآخرين، سواء كانت مرتبطة بالأهداف المهنية، العلاقات، أو خطط الحياة.
3. الظلم: قد يؤدي الشعور بالتعرض للظلم أو مشاهدة الظلم أمامك إلى الغضب.
4. العجز وفقدان السيطرة: عندما يشعر الناس بالعجز في مواقف معينة، قد يستخدمون الغضب كآلية للتكيف كذلك.
كيف نفهم الغضب من ناحية نفسية؟
الغضب غالبًا ما يكون ناتجًا عن مشاعر أخرى مثل الخوف، الإحباط، أو الألم، ووفقًا لعلماء النفس، يعتبر الغضب شعورًا ثانويًا بمعنى أننا غالبًا ما نستخدمه كأنه وجه دهان خارجي يحمينا من مشاعر أعمق هي الأساس، لذا فالتعرف على المشاعر الأساسية التي تغذي غضبك قد يكون له تأثير كبير في تعلم كيفية التعامل معه بفعالية.
متى يكون الغضب مشكلة؟
من المهم التعرف على اللحظة التي يبدأ فيها الغضب بالخروج عن السيطرة، وهذه بعض العلامات التي ربما تحذرك مما هو قادم:
- تكرر نوبات الغضب: حين تجد نفسك تفقد أعصابك بشأن أمور صغيرة أو تافهة.
- الأعراض الجسدية: حين تشعر بصداع متكرر، مشاكل في المعدة، أو إرهاق بسبب التوتر والغضب.
- توتر العلاقات: قد يعبر الأصدقاء، أفراد العائلة، أو الزملاء عن قلقهم بشأن غضبك أو يتجنبونك وتلك علامة.
- المشاكل في العمل: قد تلاحظ تراجعًا في أدائك الوظيفي أو تزايد النزاعات مع الزملاء أو الرؤساء.
تقنيات فعالة لإدارة الغضب
على الرغم من أن الغضب رد فعل طبيعي تجاه المواقف المحبطة، إلا أن هناك طرقًا للتعامل معه بشكل بنّاء. الهدف ليس قمع الغضب بل التعبير عنه بطريقة صحية، وهذه بعض استراتيجيات إدارة الغضب التي أثبتت فعاليتها:
1. اعرف متى تغضب؟
أولى خطوات التحكم بالغضب هي معرفة متى تغضب وتحديد العلامات المبكرة قبل تفاقم الوضع، وتشمل هذه الأشياء إشارات جسدية مثل:
- زيادة معدل ضربات القلب
- التعرق أو احمرار الوجه
- توتر العضلات، خاصة في الكتفين والرقبة
- التنفس السطحي (من دون عمق)
عندما تتعرف على هذه العلامات، فهذا هو الوقت المناسب لاتخاذ إجراء قبل أن يخرج غضبك عن السيطرة.
2. تنفس بعمق
إحدى أسهل وأكثر التقنيات فعالية لإدارة الغضب هي التنفس بعمق، فعندما تشعر بالغضب يتصاعد، حاول التنفس بعمق وببطء من أنفك لمدة أربع عدات، واحتفظ بكل نَفَس تأخذه لأربع عدات أخرى، ثم ازفر من فمك لمدة أربع عدات، وهذه العملية تساعد على تقليل معدل ضربات القلب وتهدئة جهازك العصبي.
3. ابدأ في العدّ
هذه الطريقة فعالة لأنها تمنح عقلك الوقت لمعالجة الموقف والتفكير في رد فعلك، لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بالغضب، خذ لحظة وعد ببطء حتى 10 (أو أكثر إذا لزم الأمر)، وبحلول الوقت الذي تنتهي فيه من العد، ستجد غالبًا أن غضبك الأولي قد هدأ بما يكفي للتفكير بعقلانية.
4. انخرط في نشاط بدني
التمارين الرياضية هي وسيلة طبيعية لإطلاق الطاقة المكبوتة وتقليل الغضب، ويمكن للأنشطة البدنية مثل المشي، الجري، أو ممارسة التمارين الرياضية أن تساعد في تقليل هرمونات التوتر مثل الكورتيزول وإطلاق الإندورفينات التي تحسن المزاج، حتى ولو بالمشي السريع لمدة 10 دقائق، يمكن أن يغير هذا من طريقة تفكيرك ويخفف التوتر.
5. ركز على استخدام "أنا" لا "أنت"
بدلًا من توجيه اللوم إلى الآخرين، وهو ما قد يزيد من حدة الصراع، عبّر عن مشاعرك باستخدام عبارات تبدأ بـ "أنا"، على سبيل المثال، بدلًا من قول "أنت لا تساعدني أبدًا في المنزل"، جرب قول "أنا أحس بإحباط كل يوم لما لا تساعدني في المنزل" فهذا يقلل من الدفاعية ويفتح المجال للحوار البنّاء ويعبر عن مشاعرك أنت.
6. اعرف المسببات وتجنبها
إذا كانت هناك مواقف أو أشخاص يثيرون غضبك باستمرار، حاول وضع خطة لتجنبهم عند الإمكان، وإذا لم يكن من الممكن تجنبهم، قم بالتحضير عاطفيًا لتلك المواجهات من خلال ممارسة تقنيات إدارة الغضب مسبقًا التي تحدثنا عنها سابقًا.
7. خذ استراحة
عندما يبدأ الغضب في التصاعد، قد يكون من المفيد أخذ استراحة، ابتعد عن الموقف لبضع دقائق أو حتى لساعات أو لأيام حتى، وهذا يسمح لك بالهدوء والتفكير بوضوح، واستخدم هذا الوقت للانخراط في أنشطة تريحك مثل الاستماع إلى الموسيقى، التأمل، أو القراءة.
8. اطلب المساعدة
إذا استمر الغضب في التأثير على حياتك، قد يكون من المفيد اللجوء إلى مساعدة مختص، سواء بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي هو شكل فعال من العلاج لإدارة الغضب، حيث يساعدك على فهم الأفكار والمعتقدات التي تدفع مشاعرك وسلوكياتك أو بالحبوب المهدئة.
إدارة الغضب في مكان العمل
إدارة الغضب في مكان العمل قد تكون صعبة بشكل خاص بسبب الديناميكيات المهنية، والخلافات والضغوط، وغالبًا ما ينشأ الغضب في العمل من الشعور بعدم التقدير، الإرهاق، أو الظلم، وعندما لا يتم التحكم في الغضب بشكل صحيح، قد يؤثر ذلك على سمعتك، علاقاتك مع الزملاء، وحتى تقدمك المهني، إليك كيفية إدارة الغضب بفاعلية في البيئة المهنية:
1. تمسك بالمهنية والاحترافية
من المهم أن تحافظ على احترافيتك حتى عندما تكون مشاعرك في أوجها، وقبل الرد، اسأل نفسك: "كيف سيؤثر هذا الرد على سمعتي المهنية ووضعي الوظيفي الحالي؟" وفي معظم الحالات، من الأفضل أخذ نفس عميق ومعالجة القضية بهدوء وبشكل بنّاء، سواء من خلال محادثة خاصة أو بريد إلكتروني مدروس.
2. تواصل بشكل بنّاء
عند معالجة قضايا تثير الغضب مع زميل أو مدير، حاول الاقتراب من المحادثة بالحلول بدلًا من الاتهامات، ركّز على حل المشكلة بدلًا من إلقاء اللوم على الآخرين، وحافظ دائمًا على الاحترام ولغة الحوار العالية.
3. مارس اليقظة الذهنية
في بيئات العمل، قد تساعدك ممارسات التأمل القصير على البقاء هادئًا ومركّزًا أو أخذ تمشية بسيطة لدقائق، وهذا لا يساعد فقط في إدارة الغضب بل يحسن الإنتاجية العامة والرضا الوظيفي مع الوقت وتخفيف ضغوط اليوم "وهذا من تجربتي الخاصة".
4. خذ فترات راحة
يمكن أن تكون بيئات العمل مرهقة للغاية، ويمكن أن يؤدي التوتر المطول إلى الغضب. أخذ فترات راحة منتظمة للابتعاد عن المكتب، أو الذهاب في نزهة، أو تناول كوب من الشاي يمكن أن يساعد في استعادة التوازن العاطفي.
خاتمة
إدارة الغضب مهارة يمكن تعلمها وتحسينها بمرور الوقت، ومن خلال استخدام تقنيات مثل التنفس العميق، التعبير البنّاء، وتجنب المواقف المثيرة للغضب، يمكنك السيطرة على مشاعرك بطريقة تعزز العلاقات الإيجابية والإنتاجية الشخصية والمهنية.